تتجلى في هذه الرواية سمة بارزة في كتابات ماثيو نيل في أكثر حالاتها تألقا وجمالا. إنها السخرية والنبرة التهكمية التي لا تخلو من سوداوية تنبع من موقف نقدي أصيل لدى الكاتب ومن حساسية فائقة في إضاءة التناقضات والمفارقات في حياة البشر وفي علاقتهم مع العالم. تتجلى المفارقات تلك في عدسة الروائي من خلال مصائر تضحكنا بقدر ما تفجعنا بتراجيديتها، وكأن الكوميديا ليست سوى موقف نقدي من التاريخ ذاته.
التاريخ الذي كتبه الأقوياء ليكون نصوصا تبرر الاستبداد والاستعمار واضطهاد الشعوب يتم نقده كمنظومة هيمنة لا يمكن تفكيكها وتحديها إلا من خلال قدرة الفن السحرية على نزع القدسية والشرعية عنها، وذلك عبر الضحك والسخرية. والمفارقات التي تخلق الكوميديا أصيلة وعميقة وليست في هذه الرواية اختلاقا أو عنصرا خارجيا تفرضه التقنيات السردية بقدر ما هي ملامح جوهرية غيّبها الخطاب الرسمي ونفاها إلى هوامش المحرَّم والمسكوت عنه.
رواية «المسافرون الإنجليز» تطمح إلى إنجاز جمالي قبل أن يكون فكريا، أي أنها تتصدى إلى مهمة أصيلة من مهام الأدب الرفيع في فتح آفاق يكتشف القارئ من خلالها العالم والحياة، الحاضر والماضي، التاريخ والجغرافيا.. في تجربة من المتعة والدهشة.