كتاب «إرشاد الطالب» يسرناه لطلاب العربية بلغة يفهمونها، وجنبناه كل ما يعسر إدراكه، ووصلناه بالأدب، فخلعنا عليه من حلله الزاهية ما يجمع القلوب عليه، ويرد النفوس المنصرفة عنه إليه، وأوردنا في التطبيق من الأبيات النادرة، والأمثال السائرة، ما يكون عدة للطالب، وراحة لقلبه المتعب وباله المكدود، ولم ندع مسألة من مسائل الصرف العويصة إلا صورناها تصويرا صحيحا، وعرضناها عرضا حديثا ممتعا. والواقع أن الصرف علم لغوي جليل -بل فن جميل- لو وجد من ينفض عنه غبار الماضي، وتلك مشكلة العربية بأسرها، فإن في علومها مادة لا تنقضي عجائبها، وإنما صرف أهلها عنها، وحمل بنيها على التنكر لها، ومكن لغيرها أن تنافسها في ديارها، وجعلها في منزلة تشمت بها الأعداء وتهيض الأصدقاء، أساليبُها الملتوية وكتبها المعقدة. نذكر هذا، وفي النفس حسرة لا تدفع، فقد شقينا بها طول حياتنا، وأضعنا أنضر أيامنا وخير أعمارنا في حل رموزها وفك طلاسمها، حتى عمي في فهمها البصير، وضل في بيدائها الهادي الرشيد، فمن الظلم للعربية والجناية على أبنائها أن ندعهم يركبون العمياء بلا قائد، ويسيرون في الظلماء بغير دليل، ونحن قادرون على أن نسلك بهم الطريق القاصد، ونمضي بهم في النهار المبصر. فلو أن علماء العربية عالجوا هذه الكتب بأساليب تلائم عصرنا الذي نعيش فيه لكشفوا عن محاسنها، فأغروا الشباب بها، وحملوهم على الاستزادة منها، ولكنهم -عفا الله عنهم- بين رجلين: مسرف في تقليد القدماء يعكف على كتبهم كأنها قرآن منزل، ومفتون بلغة أجنبية رأى في تحصيلها سهولة ويسرا، وفي كتبها وضوحا وإشراقا، فوقف محاربا للعربية متجنيا عليها. من أجل ذلك سلكنا في تأليف هذا الكتاب سبيلا وسطا، أخذنا من القديم سره ولبابه، ومن الحديث طرقه ووسائل إيضاحه، وسنجعل هذا المنهج نصب أعيننا في كل ما عقدنا العزم على تحريره من قيود الماضي.