سلة التسوق الخاصة بك فارغة الآن.
إن قضية المرأة هي قضية كل مجتمع في القديم والحديث، فالمرأة تشكل نصف المجتمع من حيث العدد، وأجمل ما في المجتمع من حيث العواطف، وأعقد ما في المجتمع من حيث المشكلات، ومن ثمة كان من واجب المفكرين أن يفكروا في قضيتها دائمًا على أنها قضية المجتمع، أكثر ممَّا يفكر أكثر الرجال فيها على أنها قضية جنس متمم أو مبهج.
وقد بقيت المرأة في كل العصور مثار خلاف وشقاق، وأهدرت حقوقها وكرامتها، ووسط هذا الظلام المخيم من قضية المرأة في جميع أنحاء العالم المتمدن وغير المتمدن يومئذ، انطلق من جزيرة العرب، من فوق رمالها الدكناء، وسهولها الجرداء، وجبالها الحمراء، من مكة: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يضع الميزان الحق لكرامة المرأة، ويعطيها حقوقها كاملة غير منقوصة، ويرفع عن كاهلها وزر الإهانات التي لحقت بها عبر التاريخ، والتي صنعتها أهواء الأمم، يعلن إنسانيتها الكاملة، وأهليتها الحقوقية التامة، ويصونها عن عبث الشهوات، وفتنة الاستمتاع بها استمتاعًا جنسيًا حيوانيًا، ويجعلها عنصرًا فعالًا في نهوض المجتمعات وتماسكها وسلامتها.
* وتتلخص المبادئ الإصلاحية التي أعلنها الإسلام فيما يتعلق بالمرأة في المبادئ التالية:
* أولًا: أن المرأة كالرجل في الإنسانية سواء بسواء، يقول الله ـ تعالى ـ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ} [النساء: 1]، ويقول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إنما النساء شقائق الرجال»([1]).
* ثانيًا: دفع عنها اللعنة التي كان يصقلها بها رجال الديانات السابقة، فلم يجعل عقوبة آدم بالخروج من الجنة ناشئًا منها وحدها، بل منهما معًا، يقول ـ تعالى ـ في قصة آدم: {فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ} [البقرة: 36].
ويقول عن آدم وحواء: {فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا} [الأعراف: ٢٠].
ويقول عن توبتهما: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٢٣} [الأعراف: ٢٣].
بل إن القرآن في بعض آياته قد نسب الذنب إلى آدم وحده فقال: {وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ١٢١} [طه: ١٢١].
ثم قرر مبدأ آخر يعفي المرأة من مسؤولية أمها حواء، وهو يشمل الرجل والمرأة على السواء: {تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسَۡٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٣٤} [البقرة: ١٣٤].
* ثالثًا: أنها أهل للتدين والعبادة ودخول الجنة إن أحسنت، ومعاقبتها إن أساءت، كالرجل سواء بسواء، يقول الله ـ تعالى ـ: {مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ٩٧} [النحل: ٩٧].
ويقول ـ تعالى ـ: {فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ} [آل عمران: ١٩٥].
وانظر كيف يؤكد القرآن هذا المبدأ في الآية الكريمة التالية: {إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا٣٥} [الأحزاب: ٣٥].
* رابعًا: حارب التشاؤم بها والحزن لولادتها كما كان شأن العرب ولا يزال شأن كثير من الأمم ومنهم بعض الغربيين كما تحققت ذلك بنفسي، فقال تعالى منكرًا هذه العادة السيئة: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ٥٨ يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ٥٩} [النحل: 58 ـ ٥٩].
* خامسًا: حرم وأدها وشنع على ذلك أشد تشنيع فقال: {وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ٨ بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ٩} [التكوير: 8 ـ ٩].
وقال: {قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ} [الأنعام: ١٤٠].
* سادسًا: أمر بإكرامها: بنتًا، وزوجة، وأمًا([2]).
ومن هنا جاءت هذه الدراسة حول آداب التعامل مع المرأة في ضوء تراث الآل والأصحاب ـ رضي الله عنهم ـ، فبدأت أولًا بالحديث عن الأم، ثم الزوجة ثم البنت، وكذلك المرأة الأجنبية أيضًا، فالتعامل معها يحفظ لها حقوقها وإنسانيتها ومكانتها، بعيدًا عن مواضع الفتن والشهوات ومرضى القلوب.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل في موازين الحسنات، وأستغفر الله من كل خطأ أو سهو، والله المستعان وعليه التكلان.