بيّو باروخا (1956-1872) من أهم كتّاب إسبانيا في القرن العشرين، ينتمي لجيل الـ89. درس الطب قبل أن يتفرغ لكتابة الرواية والقصص. تمتاز أعماله بواقعيّة يحكمها موقف المبدع من العالم، والذي يتمحور حول رؤية أناركية لا سلطوية، فجميع شخصياته لها مرجعيات مباشرة من الواقع الإسباني المحلي، تأتي من الحياة اليومية لتتموضع في النص بكامل عفويتها وهامشيتها وضعفها وفرديتها، وهي تحمل على كاهلها بعداً فلسفياً يُرَجِّع أفكار شوبنهور ونيتشه، بينما هي تمارس الأسى أو الفكاهة أو الخرافة في المناخ الاجتماعي الذي يتطور فيها الحدث السردي، سواء في الريف أو في المدينة، قاسمها الجامع عدم القدرة على التكيف مع المحيط والمتواضع الاجتماعي المكرس الذي يحيق بها، إضافة لمصير الفشل. ويتضامن الكاتب مع شخصياته بكافة تنوعاتهم الاجتماعية والاثنية بشعرية تحنو على ركامهم وخرائبهم، المادية والمعنوية، تُنقّبُ فيها لإنقاذ ما يصلح لاستمرارية الحياة، ورمي ما لا يصلح من أفكار وأنظمة خارجاً.
هذه المجموعة القصصية التي تقدمها سلسلة إبداعات عالمية للقارئ العربي تنتمي في معظمها لمرحلة شباب الكاتب، بمعنى أنها تعكس بامتياز الحس العام التشاؤمي الذي ساد إسبانيا بعد فقدانها آخر مستعمراتها (كوبا وجزر الفلبين)، ودخولها القرن العشرين بكل هزائمها التاريخية وأفول إسبانيا القديمة.
إن أدب بيّو باروخا يعبر عن اللاسلطوية النقدية، ومراجعة الذات والماضي، وشرف المحاولة لردم هوة الهزيمة عبر الإيمان بالإنسان وحده. إنه أدب مرحلة من تاريخ الثقافة الإسبانية لا يمكن أن يغفل عنها ويتجاهلها القارئ المهتم أو المختص على حد سواء، من أجل فهم سيرورة إسبانيا عبر أدبها.