استطاع ريكاردو بيجليا، الكاتب والمنظّر الأرجنتيني الشهير، أن يفلت من فخ الواقعية السحرية اللاتينية، رغم صعوبة ذلك في فترة كانت فيها الكتابة هي «الواقعية السحرية». ظهر بيجليا في ستينيات القرن الماضي، في عز زهوة التيار الأدبي الأهم في أميركا اللاتينية، وفي حياة كُتّاب كبار أمثال جارثيا ماركيز وخوليو كورتاثر وبورخس. لكن ريكاردو، بوعي آخر، وببنية ذهنية مختلفة، وبتصورات فنية تقدّر الفانتازيا لكنها ترى طرقا أخرى للوصول، اختار أن يعمّد طريقا مختلفًا لا يبتعد فيه عن تاريخ بلده وسياقه السوسيوثقافي، لكنه في نفس الوقت لا يصل فيه إلى التورط المباشر في الواقعية، ولا يتبع فيه خطى كُتّاب سابقين. لقد أدرك بيجليا، بحسه الفني والنقدي، وباطلاعه الواسع، المناطق الخالية التي لم تُعمّر بعد في السرد، فاختار أن يعمّرها بنفسه. ومجموعة «الغزو»، مجموعته الأولى التي صدرت مبكرا ثم أعاد نشرها بعد سنوات طويلة، بقليل من التنقيحات وبعض الإضافات، كانت علامته الأولى على الطريق نحو أسلوبه الخاص وعالمه السردي.
يختبر بيجليا العديد من طرق السرد هنا، يتخذ التجريبية منهجا له، يتجول في منطقة سردية ما بين التاريخي والواقعي والغامض، يستعرض فترة حرجة في تاريخ الأرجنتين من خلال أفراد مهزومين، لا يشير إليهم كمهزومين، ولا يشير إلى الحدث الكبير إلا عرضا. يتخذ بيجليا «الجمالية» كسبيل وحيد لقصصه، لتكون هذه المجموعة، بنظرة بانورامية، المادة الخام لكل ما كتبه بعد ذلك.