سلة التسوق الخاصة بك فارغة الآن.
ارتسمت للآخر صورة في التراث الإسلامي إبّان العصر الوسيط صيغت من مجال ثقافي مشبع بمنظومة عقائدية متجانسة، اختلفت جملةً عن المنظومة الخاصة بالآخر، والذي أثبت أَنَّ واقعه الثقافي والتاريخي والحضاري لم يتشكل في إثبات ذاته إلا من خلال نفي وإقصاء، وتشويه لصورة الآخر، على عكس ما كان في المجتمع الإسلامي خلال فترات طويلة من تاريخه.
وعليه فتحديد جوهر العلاقة بالآخر في العالم الإسلامي لا ينفك عن رصد واقع المجتمع الإسلامي في العصر الوسيط، فالقيمة الحضارية والثقافية له تتمثل فيما حققه من مبادئ إنسانية زاهية، تجاوزت حدودها لتعم بإنسانيتها الآخرين، ولو خالفوه في الدين والجنس واللغة، وما نتج عنه من تفاعلات اجتماعية متلاحقة ارتبطت بتلك المجتمعات والأقاليم التي رضخت للسيادة الإسلامية.
فأضحى المجتمع الإسلامي بوتقة اجتماعية ومجتمعية امتزجت فيه الحضارات منذ دخول كثير من أهل المناطق المفتوحة في الإسلام، فضلاً عن ذاك الاختلاط والاحتكاك بين المسلمين وغيرهم، فأصبح المجتمع الإسلامي وعاءً انصهرت فيه تلك الثقافات والديانات - وخاصة اليهود - فأصبحوا في المجتمع الإسلامي "خلال العصر الوسيط" جزءًا لا يتجزأ من نسيجه الاجتماعي فتبوّءوا مكانة مميزة تكونت من خلال حالة التعايش والتسامح التي وُجدت، فانصهروا فيه وأدوا أعمالًا وشاركوا في العديد من النشاطات.
ويأتي هذا الكتاب كمحاولة لفهم الوضع الاجتماعي والاقتصادي للآخر - المجتمع اليهودي - في المجتمع الإسلامي من خلال تحليل الواقع المستنتج من وثائق الجِنِيزة، ومحاولة الإجابة عن بعض التساؤلات منها: كيف عاش أبناء المجتمع اليهودي في المجتمع الإسلامي؟ وهل أثرت العوامل الاجتماعية عليه؟ وكيف كانت تركيبته وبنيته الاقتصادية؟ وما مصادره التجارية؟ وحجم علاقاته الاقتصادية في الحواضر الإسلامية؟ وتأتي كل هذه التساؤلات منبثقة من مفهوم الآخر في المجتمع الإسلامي إبان العصر الوسيط.